كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قيل: هذا هو شبهة من أباحها لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وجواب هذه الشبهة: أن تحريم الصدقة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليس بطريق الأصالة، وإنما هو تبع لتحريمها عليه صلى الله عليه وسلم وإلا فالصدقة حلال لهن قبل اتصالهن به، فهن فرع في هذا التحريم على المولى فرع التحريم على سيده، فلما كان التحريم على بني هاشم أصلًا استتبع ذلك مواليهم ولما كان التحريم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تبعًا، لم يقو ذلك على استتباع مواليهن، لأنه فرع عن فرع.
قالوا: وقد قال الله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}الأحزاب: 30-31-32-33
فدخلن في أهل البيت لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهن، فلا يجوز إخراجهن من شيء، والله أعلم.
فصل:
وأما القول الثالث: وهو أن آل النبي صلى الله عليه وسلم أمته وأتباعه إلى يوم القيامة. فقد فقدت احتج له بأن آل المعظم المتبوع هم أتباعه على دينه وأمره، قريبهم وبعيدهم.
قالوا: واشتقاق هذه اللفظة تدل عليه، فإنه من آل يئول إذا رجع، ومرجع الأتباع إلى متبوعهم لأنه إمامهم وموئلهم.
قالوا: ولهذا كان قوله تعالى:{إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَر} القمر: من الآية 34 المراد به أتباعه وشيعته المؤمنون به من أقاربه وغيرهم.
وقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} غافر: من الآية 46، المراد به أتباعه.
واحتجوا أيضًا بأن وائلة بن الأسقع روى: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا حسنًا وحسينًا، فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة رضي الله عنها من حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه، ثم قال: اللهم هؤلاء أهلي، قال واثلة: فقلت يا رسول الله، وأنا من أهلك؟ فقال: وأنت من أهلي» ورواه البيهقي بإسناد جيد. قالوا: ومعلوم أن واثلة بن الأسقع من بني ليث بن بكر بن عبد مناة، وإنما هو من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
فصل:
وأما أصحاب القول الرابع: أن آله الأتقياء من أمته. فاحتجوا بما رواه الطبراني في معجمه: عن جعفر بن إلياس بن صدقة، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا نوح بن أبي مريم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آل محمد؟ فقال: «كل تقي» وتلا النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ}لأنفال: من الآية 34، قال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا نوع، تفرد به نعيم. وقد رواه البيهقي: من حديث عبد الله بن أحمد بن يونس، حدثنا نافع أبو هرمز، عن أنس، فذكره.
ونوح هذا ونافع أبو هرمز لا يحتج بهما أحد من أهل العلم، وقد رميا بالكذب واحتج لهذا القول أيضًا بأن الله عز وجل قال لنوح عن ابنه: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} هود: من الآية 46، فأخرجه بشركه أن يكون من أهله، فعلم أن آل الرسول صلى الله عليه وسلم هم أتباعه.
وأجاب عنه الشافعي رحمه الله بجواب جيد، وهو أن المراد أنه ليس من أهلك الذين أمرناك بحملهم، ووعدناك بحلتهم، لأن الله سبحانه قال له قبل ذلك: {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} هود: من الآية 40، فليس ابنه من أهله الذين ضمن نجاتهم.
قلت: ويدل على صحة هذا أن سياق الآية يدل على أن المؤمنين قسم غير أهله الذين هم أهله، لأنه قال سبحانه: {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ} هود: من الآية 40 فمن آمن معطوف على المفعول بالحمل، وهم الأهل والاثنان من كل زوجين.
واحتجوا أيضًا بحديث واثلة بن الأسقع المتقدم، قالوا: وتخصيص واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به، وكأنه جعل واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به، وكأنه جعل واثلة في حكم الأهل تشبيهًا بمن يستحق هذا الاسم.
فهذا ما احتج به أصحاب كل قول من هذه الأقوال.
والصحيح هو القول الأول، ويليه القول الثاني. وأما الثالث والرابع فضعيفان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رفع الشبهة بقوله: «إن الصدقة لا تحل لآل محمد، وقوله: إنما يأكل آل محمد من هذا المال»، وقوله: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا»، وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الأمة قطعًا. فأولى ما حمل عليه الآل في الصلاة الآل المذكورون في سائر ألفاظه، ولا يجوز العدول عن ذلك، وأما تنصيصه على الأزواج والذرية، فلا يدل على اختصاص الآل بهم، بل هو حجة على عدم الاختصاص بهم، لما روى أبو داود من حديث نعيم المجمر، عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين»، وذريته، وأهل بيته، كما صليت على إبراهيم، فجمع بين الأزواج والذرية والأهل، وإنما نص عليهم بتعيينهم ليبين أنهم حقيقون بالدخول في الآل، وأنهم ليسوا بخارجين منه، بل هم أحق من دخل فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاص على العام، وعكسه، تنبيهًا على شرفه، وتخصيصًا له بالذكر من بين النوع، لأنه من أحق أفراد النوع بالدخول فيه، وهنا للناس طريقان:
أحدهما: أن ذكر الخاص قبل العام أو بعده قرينة تدل على أن المراد بالعام ما عداه.
والطريق الثاني: أن الخاص ذكر مرتين مرة بخصوصه ومرة بشمول الاسم العام له تنبيهًا على مزيد شرفه، وهو كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} الأحزاب: من الآية 7، وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} البقرة: 98.
وأيضًا فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حق له ولآله دون سائر الأمة، ولهذا تجب عليه وعلى آله عند الشافعي رحمه الله وغيره كما سيأتي، وإن كان عندهم في الآل اختلاف، ومن لم يوجبها فلا ريب أنه يستحبها عليه وعلى آله، ويكرهها أو لا يستحبها لسائر المؤمنين، أو لا يجوزها على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله، فمن قال: إن آله في الصلاة هم كالأمة، فقد أبعد غاية الإبعاد.
وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع في التشهد السلام والصلاة، فشرع في السلام تسليم المصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم أولا وعلى نفسه ثانيًا، وعلى سائر عباد الله الصالحين ثالثًا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فإذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض»، وأما الصلاة فلم يشرعها إلا عليه وعلى آله فقط، فدل على أن آله هم أهله وأقاربه.
وأيضًا فإن الله سبحانه أمرنا بالصلاة عليه بعد ذكر حقوقه وما خصه به دون أمته من حل نكاحه لمن تهب نفسها له، ومن تحريم نكاح أزواجه على الأمة بعده، ومن سائر ما ذكر مع ذلك من حقوقه وتعظيمه وتوقيره وتبجيله.
ثم قال تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} الأحزاب: من الآية 53، ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهن آباءهن وأبناءهن ودخولهم عليهن، وخلوتهم بهن، ثم عقب ذلك بما هو حق من حقوقه الأكيدة على أمته، وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامه، مستفتحًا ذلك الأمر بإخباره بأنه هو وملائكته يصلون عليه، فسأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: على أي صفة يؤذن هذا الحق؟ فقال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد»، فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها، لأن ذلك مما تقر به عينه، ويزيده الله به شرفًا وعلوًا. صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
وأما من قال إنهم الأتقياء من أمته فهؤلاء هم أولياؤه، فمن كان منهم من أقربائه فهو من أوليائه، ومن لم يكن منهم من أقربائه، فهم من أوليائه، لا من آله. فقد يكون الرجل من آله وأوليائه، كأهل بيته والمؤمنين به من أقاربه، ولا يكون من آله ولا من أوليائه، وقد يكون من أوليائه وإن لم يكن من آله، كخلفائه في أمته الداعين إلى سنته، الذابين عنه، الناصرين لدينه، وإن لم يكن من أقاربه. وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إن أوليائي المتقون أين كانوا ومن كانوا، وغلط بعض الرواة في هذا الحديث وقال: إن آل أبي بياض.
والذي غر هذا أن في الصحيح: إن آل بني ليسو لي بأولياء وأخلى بياضًا بين بني وبين ليسوا فجاء بعض النساخ فكتب على ذلك الموضع بياض يعني أنه كذا وقع، فجاء آخر فظن أن بياض هو المضاف إليه فقال أبي بياض، ولا يعرف في العرب أبو بياض، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك، وإنما سمى قبيلة كبيرة من قبائل قريش، والصواب لمن قرأها في تلك النسخ أن يقرأها إن آل بني بياض بضم الضاد من بياض لا بجرها. والمعنى: وثم بياض، أو هنا بياض.
ونظير هذا ما وقع في كتاب مسلم في حديث جابر الطويل: ونحن القيامة أي: فوق كذا انظر، وهذه الألفاظ لا معنى لها هنا أصلًا، وإنما هي من تخليط النساخ، والحديث بهذا السند والسياق في مسند الإمام أحمد: ونحن يوم القيامة على كوم أو تل فوق الناس فاشتبه على الناسخ التل أو الكوم، ولم يفهم ما المراد فكتب في الهامش انظر، وكتب هو أو غيره كذا فجاء آخر فجمع بين ذلك كله وأدخله في متن الحديث، سمعته من شيخنا أبي العباس أحمد بن تيمية رحمه الله.
والمقصود أن المتقين هم أولياء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه هم أحب إليه من آله. قال الله تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} التحريم: من الآية 4 وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: «أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة رضي الله عنها، قيل من الرجال؟ قال: أبوها» متفق عليه.
وذلك أن المتقين هم أولياء الله كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} يونس: 62، وأولياء الله سبحانه وتعالى أولياء لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما من زعم أن الآل هم الأتباع، فيقال: لا ريب أن الأتباع يطلق عليهم لفظ الآل في بعض المواضع بقرينة، ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع لفظ الآل يراد به الأتباع، لما ذكرنا من النصوص، والله أعلم.
فصل:
وأما الأزواج فجمع زوج، وقد يقال: زوجة، والأول أفصح، وبها جاء القرآن، قال تعالى لآدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} الأعراف: 19، وقال تعالى في حق زكريا:{وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَه} الأنبياء: من الآية 90، ومن الثاني: قول ابن عباس رضي الله عنه في عائشة رضي الله عنها: «إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة». وقال الفرزدق:
وإن الذي يبغي ليفسد زوجتي ** كساع إلى أسد الشرى يستبيلها

وقد يجمع على زوجات، وهذا إنما هو جمع زوجة، وإلا فجمع زوج أزواج قال تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} يّس: 56 وقال تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ}ا لزخرف: 70، وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفردًا وجمعًا كما تقدم.
وقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} الأحزاب: من الآية 6، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} الأحزاب: الآية 28 والإخبار عن أهل الشرك بلفظ المرأة قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} إلى قوله: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} المسد: 1-4، وقال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} التحريم: الآية 10 فلما كانتا مشركتين أوقع عليهما اسم المرأة لما كان هو المشرك وهي مؤمنة لم يسمها زوجا له، وقال في فرعون:وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون،وقال في حق آدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} البقرة: من الآية 35، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك} الأحزاب: من الآية 50، وقال في حق المؤمنين: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} البقرة: من الآية 25.
فقالت طائفة منهم السهيلي وغيره إنما لم يقل في حق هؤلاء الأزواج، لأنهن لسن بأزواج لرجالهم في الآخرة، ولأن التزويج حلية شرعية، وهو من أمر الدين، فجرد الكافرة منه كما جرد منها امرأة نوح وامرأة لوط.
ثم أورد السهيلي على نفسه قول زكريا: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} مريم: من الآية 5، وقوله تعالى عن إبراهيم: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّة} الذاريات: من الآية 29.
وأجاب بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع، لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة، فذكر المرأة أولى به.
أن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع، لا من حيث كانت زوجا.
قلت: ولو قيل إن السر في ذكر المؤمنين ونسائهم بلفظ الأزواج أن هذا اللفظ مشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران، كما هو المفهوم من لفظه، فإن الزوجين هما الشيئان المتشابهان المتشاكلان أو المتساويان، ومنه قوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} الصافات: من الآية 22، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم».
وقاله الإمام أحمد أيضًا: ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} التكوير: 7، أي: قرن بين كل شكل وشكله في النعيم والعذاب، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه الآية: «الصالح من الصالح في الجنة»، والفاجر مع الفاجر في النار. وقاله الحسن، وقتادة، والأكثرون.
وقيل زوجت أنفس المؤمنين بالحور العين، وأنفس الكافرين بالشياطين، وهو راجع إلى القول الأول. وقال تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} الأنعام: الآية 143 ثم فسرها: {وَمِنَ الأِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} الأنعام: من الآية 144، فجعل الزوجين هما الفردان من نوع واحد، ومنه قولهم: زوجا خف، وزوجا حمام ونحوه، ولا ريب أن الله سبحانه قطع المشابهة والمشاكلة بين الكافر والمؤمن، قال تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} الحشر: من الآية 20. وقال تعالى في حق مؤمني أهل الكتاب وكفارهم: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} آل عمران: من الآية 113، وقطع المقارنة سبحانه بينهما في أحكام الدنيا، فلا يتوارثان، ولا يتناكحان، ولا يتولى أحدهما صاحبه، فكما انقطعت الوصلة بينهما في المعنى انقطعت في الاسم، فأضاف فيها المرأة بلفظ الأنوثة المجرد، دون لفظ المشاكلة والمشابهة.
فتأمل هذا المعنى تجده أشد مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه، ولهذا وقع على المسلمة امرأة الكافر، وعلى الكافرة امرأة المؤمن لفظ المرأة دون الزوجة تحقيقًا لهذا المعنى، والله أعلم.
وهذا أولى من قول من قال: إنما سمى صاحبة أبي لهب امرأته ولم يقل لها زوجته، لأن أنكحة الكفار لا يثبت لها حكم الصحة، بخلاف أنكحة أهل الإسلام فإن هذا باطل بإطلاقه اسم المرأة على امرأة نوح وامرأة لوط، مع صحة ذلك النكاح.
وتأمل في هذا المعنى في آية المواريث، وتعليقه سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة دون المرأة، كما في قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} النساء:الآية 12، إيذانًا بأن هذا التوارث إنما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب، والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب، فلا يقع بينهما التوارث، وأسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقول العالمين.